ت + ت – الحجم الطبيعي
ساد التشاؤم تصريحات مسؤولين دوليين بخصوص التغير المناخي منذ مطلع الأسبوع الحالي، مترافقة مع تحذيرات من تراجع كتل دولية، من بينها الاتحاد الأوروبي، عن التزاماتها بشأن خفض الانبعاثات، فضلاً عن أفق قاتم، حيث إن البشرية ما زالت بعيدة عن مجاراة تداعيات التغير المناخي الذي يعصف بأكثر من منطقة على شكل جفاف وفيضانات وحرائق. إلا أن هناك بوادر لحلول ترقيعية تخطط لها كتل اقتصادية للاستعداد لكوارث مناخية من دون تعميم التجربة على العالم، وهذا ما قد يجعل من أفلام الخيال العلمي التي تقسم المجتمع إلى طبقات متأقلمة مع الكوارث وأخرى تعيش تحت رحمة الناجين سيناريو ممكناً إذا تقدمت الدول الغنية في مسار منفصل عن بقية البشرية.
في كل الأحوال، بات الخوف من عدم صلاحية الأرض للحياة مستقبلاً في ظل أولوية الربح المالي لدى الشركات الكبرى، وأولوية النجاة لدى الفقراء والفئات الضعيفة المتروكين لمصيرهم، عاملاً نفسياً جديداً في معايير التشاؤم، فقد كشفت دراسة ألمانية حديثة أن 68% من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و26 عاماً بألمانيا يرون مستقبل المجتمع أكثر قتامة نوعاً ما. وذكر القائمون على الدراسة أن التفسير الواضح يقول إن ذلك يرجع إلى التغييرات المناخية التي أصبحت ملموسة بشكل أكبر وبصورة مستمرة وكذلك إلى الأزمات السياسية والاجتماعية الراهنة.
خطط جزئية
بينما تشير المعطيات إلى أن التغير المناخي يتقدم على البشرية بخطوات، تظهر في الأفق خطط جزئية، حيث تعتزم دول مجموعة السبع الصناعية الكبرى إعداد مدنها على نحو مشترك لمواجهة تغير المناخ وأزمات أخرى، ومن المقرر أن يكون هناك تبادل منتظم في المستقبل بين وزراء التنمية الحضرية في مجموعة السبع.
ومن شأن الحلول الجزئية المقتصرة على تكتلات بعينها أن تؤسس مستقبلاً لنوع جديد من النظام الطبقي الحضري بين مناطق مستعدة للتأقلم مع التغير المناخي فترة أطول ومناطق هشة وعرضة لكوارث مدمرة على غرار ما حدث في الأسابيع الماضية في باكستان جراء الفيضانات، وموجة الجفاف في مناطق شاسعة في أفريقيا والشرق الأوسط، تسببت في تآكل شديد في الإنتاج الزراعي في ظل عجز معظم دول هذه المناطق عن تلبية الاحتياجات لسكانها.
اتجاه خاطئ
صدر تقرير عن الأمم المتحدة بعنوان «متحدون في العلم» جاء فيه، أنه رغم مرور قرابة ثلاث سنوات على إعطاء جائحة كوفيد 19 الحكومات فرصة فريدة لإعادة التفكير في مسألة تشغيل اقتصاداتها، فإن البلدان تمضي قدماً في التلوث كالمعتاد.
ورأى التقرير أنه بعد انخفاض غير مسبوق للانبعاثات بلغ 5,4 في المئة في عام 2020 بسبب الإغلاق والقيود المفروضة على السفر، تظهر البيانات الأولية من يناير إلى مايو من هذا العام أن الانبعاثات العالمية لثاني أكسيد الكربون أعلى بنسبة 1,2 في المئة مما كانت عليه قبل الجائحة. وعلق الأمين العام للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية بيتيري تالاس على هذه النتائج بالقول: «العلم لا لبس فيه: نحن نسير في الاتجاه الخاطئ». ووافقه على ذلك الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس قائلاً: «لا يوجد شيء طبيعي بشأن الحجم الجديد لهذه الكوارث. إنها ثمن إدمان البشرية على الوقود الأحفوري». وأضاف أن التقرير يظهر أن «التداعيات المناخية تتجه إلى منطقة دمار مجهولة».
وقود أحفوري
انتقدت مفوّضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان دول الاتحاد الأوروبي لاستمرارها في الاستثمار في الوقود الأحفوري. وجاء في بيان للمفوضية: «أمام الارتفاع الحاد في أسعار الطاقة الذي يهدد بالتأثير على معظم الفئات الضعيفة مع اقتراب الشتاء، تتجه بعض دول الاتحاد الأوروبي إلى الاستثمار في البنية التحتية للوقود الأحفوري وإمداداته». وتابعت: «من الضروري تسريع وتيرة تطوير مشروعات رفع كفاء الطاقة والطاقة المتجددة. لا مجال للتراجع في مواجهة أزمة المناخ المستمرة». على الصعيد العلمي، تستعد أوروبا لإطلاق الجيل الجديد من أقمارها الاصطناعية المخصصة للتوقعات الجوية، بعد تحضيرات استمرت اثني عشر عاماً واستثمارات بمليارات اليورو للمساعدة على استباق الظواهر المناخية العنيفة بسرعة أكبر. الصاروخ البالغ وزنه 3,8 أطنان، الذي سيقوم بالمهمة، يقبع في داخل مركز «تاليس ألانيا سبايس» في مدينة كان الفرنسية، قبل نقله بحراً إلى قاعدة كورو في غويانا الفرنسية حيث من المقرر إطلاقه إلى الفضاء بحلول نهاية العام الحالي.
قاتل خفي
في دراسة علمية، أوضح علماء من معهد فرانسيس كريك ومن كلية لندن الجامعية أن الجسيمات الدقيقة (أقل من 2,5 ميكرون، أي ما يعادل تقريباً قطر الشعرة) التي تُعتبر من أسباب التغيّر المناخي، تؤدي إلى تغيرات سرطانية في خلايا الجهاز التنفسي.
ويمكن تشبيه الجسيمات الدقيقة الموجودة في غازات العوادم أو غبار مكابح المركبات أو الأدخنة الناجمة عن الوقود الأحفوري بـ«قاتل خفيّ»، على حد تعبير تشارلز سوانتون من معهد فرانسيس كريك، وهو الذي عرضَ نتائج هذا البحث الذي لم يراجعه بعد باحثون آخرون، خلال المؤتمر السنوي للجمعية الأوروبية لطب الأورام في باريس.
ولاحظت مديرة برنامج الوقاية من السرطان في معهد غوستاف روسي سوزيت دولالوج، أن خلاصات الدراسة بمثابة تطوّر ثوري إذ لم يكن يتوافر سابقاً أي دليل على هذا التسرطن البديل.