[ad_1]
ت + ت – الحجم الطبيعي
تسببت موجات الحر الشديدة، التي تشهدها أوروبا هذا الصيف في انخفاض منسوب مياه الأنهار والبحيرات إلى أدنى مستوياتها منذ سنوات. وعلى وقع ذلك، ارتفعت درجات الحرارة في الأنهار الرئيسة في أوروبا، مثل الراين والدانوب، وتدنى منسوب المياه بشكل يهدد كثيرا الزراعة والتجارة ومياه الشرب والنظام البيئي.
وقد أفاد المرصد الأوروبي المعني بمراقبة الجفاف بأن قرابة نصف مساحة القارة الأوروبية باتت في دائرة خطر الجفاف، إذ يعد موسم الجفاف الحالي الأسوأ منذ 500 عاما.
ومع الاستمرار في استخدام الوقود الأحفوري، فإن انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري ستؤدي إلى تفاقم ظاهرة الاحترار أكثر، فيما يحذر العلماء من أن هذا الأمر سيزيد من ضراوة موجات الحر فضلا عن تكرارها، وسيتعين على البلدان التكيف مع تداعيات ذلك.
خسائر انخفاض مستويات الأنهار؟
لا يؤثر انخفاض مستوى مياه الأنهار سلبا وبشكل مباشر على حياتنا فحسب، وإنما يلحق ضررا بالغا بالأنهار والبحيرات أيضا، فضلا عن الكائنات الحية التي تعتمد على الأنهار.
وفي مقابلة مع قناة “دي دبليو” الألمانية قال خوسيه بابلو موريللو، الخبير في معهد ستوكهولم الدولي للمياه: عندما تنخفض مستويات المياه في الأنهار والبحيرات، فإن مساحات تعايش النباتات والحيوانات تقل خاصة مع تدهور جودة المياه وتضرر النظم البيئية سواء في الأنهار أو بالقرب منها وعلى ضفافها.
وأضاف أن ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض مستويات المياه “قد يفاقمان من مخاطر حدوث تغييرات جذرية في ظروف النظم البيئية للأنهار والبحيرات. ولا يقتصر الضرر على الأنهار فحسب. إذ يمكن أن يمتد الخطر إلى النظم البيئية في المناطق والمجتمعات التي تعيش في مناطق مصب ومنبع الأنهار خاصة وأنها تعتمد على الأنهار في تأمين مياه الشرب والري والصيد”.
جدير بالذكر أنه كلما انخفض مستوى مياه الأنهار، أصبحت موطنا للبكتيريا والملوثات الأخرى، مما يزيد من خطر تلوث مياه الشرب. ويقول موريللو “عندما تصبح الأنظمة البيئة تحت ضغط كبير لفترات طويلة، فإن فرص التعافي تقل”.
الطحالب وتلوث المياه
ومن شأن ارتفاع درجة حرارة الأنهار أن يؤثر بالسلب على التوازن في النظم البيئة المائية، ويشدد موريللو على أن “مستوى درجة الحرارة يعد ضروريا للنظم البيئية المائية لأن ذلك يؤثر على كيمياء المياه”. ويضيف بأنه “مع ارتفاع درجة حرارة المياه فإن الماء سيحتوى على أوكسجين مذاب بنسبة أقل. ومن دون الأوكسجين، يصبح بقاء الكائنات الحية على قيد الحياة مهددا”.
ويقول باحثون إن نقص الأوكسجين إلى مستويات خطرة ساهم في نفوق الأسماك مؤخرا في نهر أودر الفاصل بين ألمانيا وبولندا. حيث شكل انخفاض مستويات المياه منذ العام 2018 مع ارتفاع درجات حرارة المياه إلى حوالي 25 درجة مئوية، خطرا كبيرا على الأسماك.
وقال موريللو إن انخفاض مستويات الأوكسجين وزيادة تلوث العناصر الغذائية يؤديان في نهاية المطاف إلى تكاثر طحالب المياه العذبة في عملية يُطلق عليها “التخثث”.
خطر تزايد معدل الرواسب في قاع الأنهار والبحيرات
يؤدي تباطؤ جريان الأنهار وانحسار البحيرات جراء انخفاض مستويات المياه، إلى زيادة معدل الرواسب خاصة الرمال والطمي وجزيئات التربة الأخرى في قاع الأنهار والبحيرات، ما يشكل خطرا كبيرا على نمو النباتات ويلحق الضرر بالعناصر الغذائية التي تشكل مصدر حياة للأسماك والكائنات المائية الأخرى.
وقد دقت وكالة حماية البيئة في الولايات المتحدة ناقوس الخطر إزاء ذلك، إذ قالت إن التلوث الناجم عن الرواسب الكيماوية السامة أدى إلى أضرار بيئية بلغت حوالي 16 مليار دولار سنويا. وأعادت الوكالة زيادة معدل الرواسب إلى تآكل التربة وزيادة تعدي الإنسان على المساحات الخضراء.
ورغم ذلك، يشير موريللو إلى أن هذه الرواسب قد تكون حيوية للنظم البيئية في مناطق دلتا الأنهار والأراضي الرطبة الساحلية الواقعة بعيدا عن مجرى الأنهار. لكنه يشدد على أن هذا الأمر قد يؤثر على “طرق هجرة الأسماك الى أعلى النهر أو على توافر العناصر الغذائية للمجتمعات والكائنات التي تعيش قرب الأنهار والبحيرات”.
هل يمكن أن نساعد الأنهار والبحيرات على التعافي؟
يجمع العلماء على أن السبيل الوحيد للمساعدة على عودة الحياة مرة أخرى إلى الأنهار والبحيرات، هو خفض الانبعاثات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري، وبالتالي تقليل ارتفاع درجات حرارة الأرض.
ويؤكد العلماء على أنه حتى في هذه الحالة، فإن الحصول على نتائج ملموسة في الأنهار والبحيرات سوف يستغرق وقتا طويلا قد يمتد لعقود.
ورغم ذلك، فإن هناك خطوات يمكن القيام بها لمساعدة البحيرات والأنهار على التعافي. ويقول الباحثون إن من بين هذه الطرق التشجير حول الأنهار والبحيرات والممرات المائية لمنع ارتفاع درجة حرارة المياه، وهي تجربة قد أتت بثمارها في بريطانيا، حيث جرى زراعة أكثر من 300 ألف شجرة على طول ضفاف الأنهار والجداول في جميع أنحاء البلاد.
وقد ساعد هذا الغطاء النباتي في توفير الظل للمجاري المائية وخفض درجات الحرارة في الأنهار الصغيرة بمعدل ما بين 2 إلى 4 درجات مئوية، وقد أدى ذلك إلى تكاثر الأسماك خاصة السلمون. كذلك عملت الأشجار على انتشار النباتات والكائنات الحية ومنع تآكل التربة وقللت معدل الترسيب والتلوث في الأنهار.
العودة إلى الحالة الطبيعة
بناء السدود وغيرها من الإنشاءات العمرانية على الأنهار، يؤثر على قدرتها في تحمل ارتفاع درجات الحرارة فضلا عن إضعاف قدرتها على الاحتفاظ بالمياه في حالات الجفاف والفيضانات. وفي هذا السياق، فإن إعادة تأهيل الأنهار وإعادتها إلى الطبيعة يعد الحل الأمثل وذلك من خلال إزالة السدود غير المستخدمة وغيرها من الحواجز المائية مما يسمح بتدفق المياه.
وفيما يتعلق بأوروبا، فقد بلغ عدد الحواجز على الأنهار والجداول أكثر من 1,2 مليونا، وفقا لبيانات صدرت العام 2020. وفي هذا السياق، يقول تحالف بيئي يضم الصندوق العالمي للحياة البرية ومؤسسة الهجرة السمكية العالمية ومؤسسة إعادة بناء أوروبا، إنه جرى تسجيل إزالة 239 حاجزا مائيا في 17 دولة أوروبية خلال عام 2021 خاصة في إسبانيا وفرنسا والسويد.
ويضيف تحالف بأن “إزالة السدود في أوروبا” قد ساعد في عودة الأنهار إلى حالتها الطبيعية بشكل أسرع، وهو الأمر الذي لاقى إشادة من خبراء المياه. وفي هذا السياق، يقول موريللو إن هناك العديد من الطرق التي يمكن أن تساعد في تعافي الأنهار، لكن بشكل عام “نحتاج إلى تقليل الضغط الناجم عن الأنشطة البشرية على النظم البيئية للمياه العذبة”.
[ad_2]